بسم الله الرحمن الرحيم
هل يولد الشخص وتحكم عليه جيناته الوراثية بالفن المؤبد،
أم أن الفن صفة مكتسبة بإمكان الجميع تعلمها؟
هل الفن مهارة أم موهبة أم غير ذلك؟
************************************************** **********
يؤمن الكثير من الناس (خصوصاً غير الفنانين منهم) أن الفن لا يمكن تعلمه
. ويؤمن معظمهم أن الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى أي دروس في الفن.
قد يكون تفسير هذه النظرة هو التقدم في مجال تسويق الفن الذي
يقوم به في الغالب غير الفنانين فيركزون على المفاهيم النظرية أكثر
من الفن بحد ذاته.
الفن هو الإبداع:
قد تظن بأن المقصود بالفن هنا هو الطرق والتقنيات التي
تستخدم للرسم على سبيل المثال. رغم أن هذي التقنيات
مهمة لإنتاج أي عمل فني، ولكنها "مهارة" وليست فناً. الفن
هو الإبداع. كل منا مبدع بطريقة ما وفي مجال ما. إنتاج العمل
الفني لا يتطلب موهبة فريدة (وإن كان وجودها ممكناً) كما يتطلب
وجودك في موضع يطلق الإبداع. ما نقصده بالفن هو الموضع الصحيح،
وكيف تصل إلى هناك.
************************************************** ***************************
تعلم النظر.. تعلم الفن:
ألق نظرة على هذا الجزء من دراسة للوحة لـ Bill Schultz .
لاحظ ألوان الظلال على الوجه، أخضر وأزرق وبنفسجي.
أعرف أن بيل رأى هذه الألوان ولم يؤلفها، بسبب لهفته عند رؤية الألوان،
فهل ولد بيل بقدرة خاصة على الإحساس باللون والنظر
من خلاله، أم أنه قد تعلم الفن؟؟
الجواب هو أنه تعلم ألا ينظر إلى الدنيا (وبالتالي لا يرسم)
كل ما هو متوقع ( عشب أخضر، سماء زرقاء، وجه أسمر ... الخ)
بل أن يرسم إحساسه من خلال اللون ومن خلال انفعاله الشخصي
تجاه ذلك اللون. لقد تعلم أن يرى.
طرقنا المألوفة في النظر إلى الأشياء لا تكفي
وهذا هو قلب الموضوع: كيف يكون الوضع مشجعاً أو
محبطاً للروح المبدعة. لنقارن بين متطلبات العالم العملي
الحديث، وما يحتاجه الفنان حينما يتفاعل مع إحساس اللون.
في الحالة الأولى، قيم كالكفاءة والسرعة والإنتاجية مركز
عليها أكثر من أي شيء آخر. للنجاح في "العالم الحقيقي"
نحتاج لأن نعرف و نتبنى هذه القيم، حتى تصبح جزءاً من حياتنا.
أما الفنان فهو بحاجة لعكس ذلك. على سبيل المثال، عندما نصنع
منتجاً ما أو نؤدي خدمة فإن ما يهمنا هو النهاية أو نتيجة هذا العمل،
أما الرسم فالنتيجة ليست بتلك الأهمية. المنزل لا يكون كاملاً حتى
تنتهي من بنائه، أما اللوحة فهي كاملة في كل مراحلها.
النظر كذلك يتأثر بطرق الحياة المتمحورة حول الإنتاجية
. عندما نرى، نلاحظ ونتعرف. النظر في هذه الحالة يكون دائماً نوعاً من القراءة
والتحليل. ولكن نظر الفنان على عكس ذلك، هو نوع من التذوق.
ليس قراءة كما هو تفتح وسماح للأحاسيس بالعمل.
الفنان لا يهتم بالنتائج كما يهتم لارتشاف نعيم النظر.
في العالم العملي، ما تكسبه يكون خارجياً: مال، سمعة،
وتأمين. أما ما يكسبه ذلك الذي يمسك بفرشاة ويغوص
في عالم الألوان فهو جزء من ذاته.
اصنع ذاتك أولاً:
تعليم الفن، إذاً، هو تعليمك أن تترك ما غرسته فيك الحياة العملية
عميقاً من متطلبات تتناقض مع ما تتطلبه صناعة الفن، فكل ما يعلمنا
إياه العالم الاقتصادي متناقض تماماً مع احتياجات الفنان وقدرته
على الإبداع.
هذه حقيقة مؤلمة بعض الشيء، فقد تبدو كهجوم علينا شخصياً
أو مبادئنا المغروسة. قد تكون كذلك ولكن فقط بالدرجة ذاتها
التي يهاجم فيها العالم العملي قدرتنا على الإبداع. صنع الفن
هو العملية التي نكون فيها جزءاً منا، من صنع أنفسنا.
صحيح أن تعليم طرق الرسم مهم، ولكن الأهم هو
أن نتخطى زجاج النظر إلى عالم حر من متطلبات
المال والشهرة. لو بقينا ضمن حدود هذه المملكة من
الافتراضات والتوقعات اليومية سنكون كممثل على مسرح
يقوم بدوره ولكنه لا يستطيع أن يرى نفسه من بعد فلا يعرف
كيف يبدو وأين موضعه وسط معمعة من الشخصيات والأدوار
والمشاهد التي لن تنتهي. لكي نعبر عن أنفسنا، يجب أن
يكون لنا الخيار لـ"ـنكون" أنفسنا. الفن ليس إلا موضع يمكننا من
النظر لذواتنا بطرق جديدة ومرضية. عندما نقوم بذلك،
عندها فقط نتعلم الفن